في العادة وكما هو في التراث الشعبي وفي الكتب السماوية وفي غيرها، أن السنوات العجاف هي سبع، إلا أنها في جديدة عرطوز البلد صارت إحدى عشرة سنة أو أكثر، فأنا منذ سكني وأنا أعاني العطش وقلة الماء.
هل يعقل أن تعيش بلدة نموذجية في بنائها وتخطيطها وتنظيمها ونظافتها وحدائقها كل هذه المدة بلا ماء ولا منقذ لها؟ علماً أن أهلها طيّبون ومثقفون ولا يستحقون الإجحاف.
إذا عدنا إلى أسباب استفحال أزمة الماء وعدم حلها، أقول ربما يعود ذلك إلى عدم وجود عقل مدبر، لأن مثل هذه الأزمة تحل ضمن خطة لا تتجاوز سنتين أو ثلاثاً على أبعد احتمال. مؤسسة مياه ريف دمشق مازالت تحفر الآبار على العمياني، وتغض النظر مادام السكان قادرين على التحمل، أحياناً يصل عمق البئر إلى ثلاثمئة متر وكمية الماء لا تكفي للضخ، وقد لا يجدون فيه قطرة ماء واحدة.
إذا شئنا طرح سؤال عن الأزمة للمسؤولين في مؤسسة المياه، نتلقى تبريرات، وهذه سهلة، إذ ينسف أي مسؤول بكلمتين أو بعبارة بسيطة كل معاناة المواطن، بدل الاعتراف بفشله وترك منصبه للأقدر على الحل، كأن يقول هذا الكلام مبالغ فيه وغير صحيح. المسؤولون الأعلى منه يصدقونه، إلا أن الناس الذين يعانون يمنحونه وصفاً يناسب إنكاره للحقائق. وقد يهبط عليه الإيمان ويبرر ذلك بعدم هطول أمطار كافية، متناسياً أن ثمة بلاداً كثيرة أمطارها أقل من أمطارنا ولا تعاني، أو يخترع مبررات علينا تصديقها.
لو حدثني أحد عن أزمة المياه لما صدقت، إلا أنني وسط المعمعة وأنا من أعاني، فكيف لا أصدّق نفسي؟ فأنا أسكن في وسط جديدة عرطوز، أرى وأسمع وألمس بذاتي ذلك، ولولا هذا لقلت إنه من نسج الحيال، هذا عدا الفوضى في توزيع المياه وفتح السكورة،. العامل يوسف يتحكم بالتوزيع، وصار معروفاً فيها أكثر من رئيس البلدية أو من مديرة المركز الثقافي. الناس يطلبون ودّه، يترجونه دخلك يا يوسف، بعرضك يا يوسف افتح لنا المي، منشان الله، يوسف لا تعطي دورنا لأحد غيرنا، لا تميز شارع مدير مؤسسة المياه، عامل الناس سواسية.. يوسف اليوم يومه، ما حدا قده، الكل يطلب ودّه، يوزع ويفتح ويسكر، كريم وبخيل في الوقت ذاته، وما حدا قادر يقول له كلمة لماذا؟
ثمة شوارع تأتيها المياه يومياً، وأخرى كل ثلاثة أيام، أما شارع المعترين شارع المستوصف فكل ستة أيام، وفي الصيف كل ثمانية أيام. هذا الرقم قابل للزيادة، إذ هناك من شكوا للصحف، وقالوا إن المياه لا تصلهم إلا مطلع كل شهر، وهذا كان واقعاً وحقيقة.
جديدة عرطوز أعلنت فشل وسقوط نظرية الأواني المستطرقة في شوارعها، لأن محركاً قوياً قد يأخذ مياه الآخرين، فلا تصل إلى الأماكن المنخفضة كما في البناية التي أسكن فيها.
هذا جعلني أتذكر مشروعاً في رأس العين جنوب مدينة صور، إذ قامت شركة فرنسية أيام الرئيس اللبناني شارل الحلو في ستينيات القرن الماضي، ببناء محطة تكرير وتنقية وضخ لإرواء الجنوب اللبناني من هذا المشروع الرائد، كان مسؤولاً عنه السيد جورج فرحات الذي وصف لي عملية التكرير والضخ. دخلت المشروع، رأيت نهراً من الماء يُصفّى بعد مروره بحصى كبيرة ثم أصغر، فأصغر، لتضخ في النهاية إلى الجنوب الذي شرب وارتوى من مشروع واحد. هذه المياه تضخ من رأس العين أي من ساحل البحر إلى الجنوب المرتفع، وحتى يفهم ويستوعب من يقرأ ذلك أشبه الضخ من منطقة في مستوى سطح البحر إلى جبل الشيخ، هل هذا ممكن في ريف دمشق يا مؤسسة المياه؟ علماً أن ما قلته هو مشروع معروف.
ذات مرة اتصلت بمدير مؤسسة مياه ريف دمشق، وبدل أن أشكو له حالي، شكا حاله، إذ اكتشفت أنه يسكن في جديدة عرطوز في شارع قريب من شارعنا، يأخذ المياه قبلنا، فقال إن المياه تأتيه بعدنا. وبعد التدقيق في هذا الكلام، وجدت أننا نشرب فضلة ما يزيد عن شارعه، وأنا لا أحسده ولا أحسد الشارع الذي يسكن فيه، إنما ألوم نفسي لأنني لم أشتر شقتي في شارعه.
بعد كل هذا، ألا يحق لبلدة مثل جديدة عرطوز، هي من أفضل قرى ريف دمشق، أن تنعم بالمياه؟ آمل أن يكون كلام المسؤولين عن جر مياه رخلة إلى جديدة عرطوز في بداية الشهر الخامس أو منتصفه غير قابل للتمديد.