السياسة السورية قوة و قدوة للعرب

في حسابات خاطئة اعتقدت أمريكا أن الكثير من دول العالم و التي كانت في الحسابات التقليدية للصراعات بين الشرق و الغرب إبان ما سمي فترة الحرب الباردة محسوبة على المعسكر

الاشتراكي ستدخل بيت الطاعة الأمريكي و تلتزم بأوامر السيد العالمي الجديد لتدشن مرحلة جديدة في العلاقات الدولية تكرس من خلالها ما بشر به المنظر الأمريكي فرنسيس فوكوياما في أطروحته ذائعة الصيت نهاية التاريخ و التي هي بالمعنى الاستراتيجي تشييىء أمريكا و تلطيف ذلك بعبارة محببة تحت مسمى النظام الدولي الجديد .‏

في قلب تلك الحسابات كانت المنطقة العربية و المركز فيها أمريكا اسرائيل قلب الهجوم و حارس المرمى الأمريكي عند اللزوم و كانت اللحظة التاريخية لتحقيق ذلك هجمات أيلول عام 2001 التي استثمرتها إدارة الرئيس بوش أسوأ استثمار بما يخدم المصالح الاستعمارية الأمريكية للهيمنة على العالم عندما قسمت دول العالم إلى محور خير و محور شر و أمام تلك الفورة السياسية حاولت اسرائيل كعادتها استثمار تلك الفرصة و اغتنامها و فرض إرادتها على دول المنطقة التي عارضت المشاريع الصهيونية الرامية إلى فرض الاستسلام على العرب عبر اتفاقيات غير متوازنة وغير عادلة ولا تنسجم مع الشرعية الدولية 0‏

وكانت سورية في دائرة الاستهداف الأمريكي الإسرائلي حيث تعرضت وخاصة بعد عام 2001الى اعتى هجمة سياسية وإعلامية وضغوط اقتصادية وتحريض إقليمي بهدف مصادرة دورها و كسر إرادتها السياسية و هو الدور الذي تبوأته بكل اقتدار منذ أكثر من ثلاثة عقود مما أعطاها دوراً عربياً وإقليمياً ووزناً سياسياً يليق بمكانتها وموقعها الجيوسياسي والتاريخي والحضاري والذي جرت مصادرته منذ فترة ما قبل الاستقلال وحتى ستينيات القرن الماضي 0‏

لقد واجهت سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد كل ذلك الاستهداف باستراتيجية ارتكزت إلى رؤية واضحة ومنهج عقلاني وللمشهد الدولي تميز فيه بين الطارىء والثابت وبين المرحلي والاستراتيجي والتركيز على التحالفات الإقليمية بمواجهة الفورة الأمريكية غير المنضبطة إضافة للعمل قدر المتسطاع لتشكل جبهة عربية ونظام إقليمي عربي قادر على المواجهة ولو في الحدود الدنيا 0‏

و على التوازي مع ذلك دعمت سورية قوى الممانعة العربية و صلبت مواقفها و جاهرت في مواجهتها لتلك المخططات مما اكسب مواقفها السياسية بعدا ً عربيا ً و اقليميا ً و خاصة على المستوى الشعبي اضافة إلى التأييد الداخلي لتلك السياسة و التفاعل الخلاق معها .‏

و مما أكسب سورية تلك القوة أيضا ً الثبات النفسي للسيد الرئيس بشار الأسد و إتباعه سياسة حافة الهاوية في مواجهته للضغوط الأمريكية و الأوربية و المحلية و اقتناع تلك الدول بأن سورية هي القوة الأكثر تأثيرا ً في المنطقة و التي تمتلك الأوراق الحقيقية لا الوهمية في كل القضايا الساخنة سواء كان القضية الفلسطينية أو القضايا الأخرى التي حشرت أمريكا أنفها فيها و خدعت بعض هواة السياسة و الطارئون عليها بأنها تمسك بمفاتيحها و إنها صاحبة القول الفصل فيها و هو ما ثبت بطلانه و فشله على صعيد الواقع .‏

لقد استخدمت أمريكا في عهد الرئيس بوش الابن بعض الدول الأوربية قفازات عسكرية لها و في بعض الأحيان مجسات سياسية لجس نبض بعض الدول و الوقوف على حقيقة مواقفها و هاهي اليوم تكتشف بالنيابة عن غيرها حقيقة دور ووزن تلك الدول على صعيد الواقع .‏

إن النجاح الذي حققته السياسة السورية عبر ثباتها و مصداقيتها و شجاعتها في المواجهة هو الذي أكسبها كل هذا الزخم فها هي دمشق تستقبل بشكل شبه يومي الساسة من كل مكان من أجل التنسيق معها و الاستماع إلى وجهة نظرها و طلب مساعدتها في حل المشاكل القائمة في المنطقة منتهجة بذلك المنطق الصحيح في التعامل معها و القائمة على التعامل مع دول المنطقة بمنطق الندية و الحوار لا منطق التهديد و الوعيد و المؤامرة و التهميش .‏

إن المنهج السوري في التعاطي مع قضايا المنطقة هو درس للعرب و غيرهم يمنحهم المزيد من القوة و الاحترام على كافة الصعد الاقليمية و الدولية و جدير بهم الاحتذاء به فها هي وسائل الاعلام العربية و الدولية تبرز مشاركة السيد الرئيس بشار الأسد بعيد الثورة الفرنسية ليكون الخبر الذي يتقدم كل نشرات الأخبار و تعليقات الصحف و هذا يعكس دور ووزن سورية السياسي و تأثيره في المنطقة و العالم و هذا بالتأكيد لم يأت من فراغ فهو النتيجة الطبيعية للحنكة السياسية و القدرة على الامساك بأوراق اللعبة السياسية و الاستثمار الأمثل للإمكانات و الثبات على المبادئ .‏