الافتتاحية.. الحرب الملعونة والسلام الصعب
دمشق
صحيفة تشرين
كلمة رئيس التحرير
السبت 2 آب 2008
عصام داري
يسترعي الانتباه كلام كثير صدر عن قيادات سياسية إسرائيلية، ووسائل إعلام إسرائيلية ودولية حول السيناريوهات المحتملة بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت عزمه على الاستقالة بعد الانتخابات التي ستجرى في حزب «كاديما» في أيلول المقبل.
وعلى الرغم من اختلاف التحليلات والتعليقات والرؤى لانعكاسات هذه السيناريوهات على المستقبل في إسرائيل، ومصير السلام والتطورات اللاحقة في هذه المنطقة الرابضة على فوهة بركان، إلاّ أن هناك توافقاً واتفاقاً في الآراء على عدة أمور أبرزها أن مستقبل أولمرت السياسي قد انتهى، وأن عدوان تموز هو الذي أودى برئيس الحكومة وقبله وزير الحرب عمير بيريتس ورئيس هيئة الأركان دان حالوتس، والعديد من كبار الضباط الإسرائيليين.
وإذا كنا في السابق نقدم الأدلة والإثباتات على أن المقاومة الوطنية اللبنانية مرّغت أنف الجيش الإسرائيلي ـ الذي لا يقهر! ـ في أوحال الجنوب، وحققت انتصاراً باهراً على إسرائيل، فإننا اليوم لا نحتاج إلى مثل هذه الأدلة والإثباتات التي يتبرع بها الإسرائيليون مجاناً، ويؤكدون من جديد أن حزب الله قد انتصر وإسرائيل منيت بهزيمة عسكرية وسياسية معاً.
فالصحفي في «هآرتس» آري شفيط يعتبر أن المشكلة الحقيقية تكمن جذورها في حرب بائسة قادها أولمرت في واحد من أكثر مظاهر القيادة البائسة حتى الآن. ويضيف: «منذ الآن فصاعداً لا حاجة للانشغال بالرجل الذي ورط إسرائيل بتلك الحرب الملعونة».
أما كبير المعلقين في إسرائيل ناحوم برنباع فيقول: أولمرت مات في حرب لبنان ودفن بعد عامين منها بفضائح الفساد.
ما كانت فضائح الفساد لتجهز على أولمرت لو جاءت نتائج الحرب مغايرة لما آلت إليه، إذ كان «رئيس الحكومة قادراً على تجاوز هذه الفضائح المالية فهي ليست جديدة أو غريبة في المؤسسة السياسية» كما يقول الخبير في الشؤون الحزبية حنان كريستال.
أليست هذه الشهادات، وغيرها كثير، كشفاً للحقائق المتعلقة بعدوان تموز 2006، وأن تلك الحرب «الملعونة» لم تكن «لتحرير الجنديين الإسرائيليين» وإنما قد تم التحضير لها مسبقاً بالشراكة التامة مع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لتكون الخنجر المسموم الذي يجهز على المقاومة، والجسر الذي يعبر من خلاله مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى المنطقة برمتها!
لن نضيف على هذه الشهادات التي نضعها بتصرف من راهن على انكسار المقاومة وانحسار النهج المقاوم! ولكننا من منطلق الحرص على الحقيقة ومعرفة آفاق المستقبل يحق لنا أن نسأل: أي مستقبل ينتظر العملية السلمية على المسارات كافة في السيناريوهات المطروحة؟
إلى أين ستتجه إسرائيل إذا فازت عميلة الموساد السابقة و«اللاحقة!» تسيبي ليفني التي يصفونها بالمعتدلة برئاسة حزب «كاديما» أو في حال فاز بها وزير الحرب السابق شاؤول موفاز «المتطرف»؟
وفي حال إجراء انتخابات مبكرة يفوز بها الأكثر تطرفاً بنيامين نتنياهو ـ كما هو متوقع ـ هل ستبقى هناك فرص للسلام ولمفاوضات ما هدفها الوصول إلى ذلك السلام الصعب؟!
في مطلق الأحوال لا يبدو أن هناك ما يبشر بالخير جراء ما يجري على الساحة الإسرائيلية في ظل تنامي التطرف ليس في المؤسسة السياسية ـ العسكرية الاسرائيلية فحسب، وإنما داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يرفض بأغلبيته الساحقة إعادة الأراضي العربية المحتلة إلى أصحابها الشرعيين، حتى لو كان ذلك لقاء السلام والأمن والاستقرار والازدهار.
أخيراً، وعلى هامش كل الذي جرى ويجري داخل إسرائيل، يبدو أن الطبقة السياسية يؤازرها الإعلام الإسرائيلي، وجدت في أولمرت كبش محرقة لتحميله مسؤولية نتائج حرب تموز 2006 الكارثية والتغطية على الهزيمة المرّة التي منيت بها إسرائيل، وعلى أداء الجيش الإسرائيلي السيئ الذي لم يستطع، على الرغم من كل القوة الضاربة التي يمتلكها، أن يواجه بضعة آلاف من مقاتلي حزب الله، وكذلك للتغطية على أن الحرب كانت هزيمة للمشروع الأميركي، ولإدارة بوش وليس فقط هزيمة لإسرائيل وجيشها ومشروعها.
ولو كانت مخططات أولمرت من تلك الحرب قد نجحت لكان منتقدوه اليوم أول من يتوجونه ملكاً على إسرائيل ويطالبون بإقامة التماثيل الذهبية تكريماً له ولبطولاته.
لكنها كانت حرباً ملعونة على أولمرت وإسرائيل، وها هي تداعياتها تنهي حياته السياسية وتضع المنطقة برمتها والسلام المفقود على كف عفريت.