كلمة الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب بمناسبة القسم الدستوري لرئاسة الجمهورية
10 تموز (يوليو) 2000
السيد رئيس مجلس الشعب،
السيدات والسادة أعضاء المجلس،
لا يسعني وأنا اقف اليوم في رحاب هذا المجلس الكريم إلا أن استهل كلمتي بالتوجه بالحمد والشكر لله العلي القدير أن شد أزرنا في هذا البلد الصامد وهيأ لنا ما ساعدنا على تحمل مصابنا الأليم كما أتوجه بالشكر لكم على ثقتكم الغالية التي منحتموني إياها والتي عبرتم عنها بإقراركم ما جاء في كتاب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي المتضمنة ترشيحي لمنصب رئيس الجمهورية وأثمن الجهود التي بذلتموها في مناقشاتكم المتعلقة بمضمون هذه الرسالة والتي أظهرت تحليكم الرفيع بالشعور بالمسؤولية وإحساسكم الدافق بالروح الوطنية.
ومن على هذا المنبر أتوجه بالشكر الخاص لأبناء شعبنا بكل فئاته رجالا ونساء كبارا وصغارا داخل سورية وخارجها الذين منحوني ثقتهم من خلال الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء ومشاركتهم في هذا الواجب الوطني والذين أحاطوني بالحب والوفاء مما كان له اعمق الأثر في نفسي وأمدني بالقوة ومنحني التفاؤل بالمستقبل.
النتيجة التي أسفر عنها الاستفتاء هي تعبير عن إرادة الشعب ولا املك إلا أن استجيب لها واقبلها راضيا وان احمل الأمانة التي تفرضها وان انهض بالأعباء واضطلع بالمهام المتعلقة بأداء ذلك الواجب في هذه الظروف البالغة الدقة والحساسية التي يمر فيها وطننا وامتنا والعالم بصورة عامة ساعيا لقيادة الوطن نحو مستقبل ننشد جميعا أن يكون محققا لآمال الشعب وتطلعاته وطموحاته المشروعة. وهذه المهام صعبة بمقدار ما هي سهلة...
وسهولتها تأتي من كون القائد الخالد قد هيأ لنا أرضية صلبة وأساسا متينا وتراثا عظيما من القيم والمبادئ والتي دافع عنها وبقي متمسكا بها حتى انتقل إلى جوار ربه إضافة إلى البنية التحتية والإنجازات الكبيرة في المجالات كافة وعلى امتداد ساحة الوطن التي تمكننا من الانطلاق بقوة وثقة نحو المستقبل المنشود .أما صعوبتها فتأتي من حقيقة أن نهج القائد الأسد كان نهجا متميزا وبالتالي فان الحفاظ على هذا النهج ليس بالأمر السهل وخاصة أننا لسنا مطالبين فقط بالحفاظ عليه وإنما بتطويره أيضا وهذا يحتاج إلى الكثير من العمل والجهد على المستويات كافة بهدف البناء على ما تحقق في عهده الزاهر لنعلي البنيان ونضاعف الإنجازات مصممين على تذليل الصعوبات ومواكبة العصر دونما التخلي عن ثوابتنا الوطنية والقومية التي رسخها في قلوبنا وعقولنا متمثلين في الوقت ذاته حكمته في تحويل الحزن إلى طاقة خلاقة والمصيبة إلى عمل وإنجاز.
أيتها السيدات.. أيها السادة...
لقد قلتها الأمس وأقولها اليوم بأنني لا أسعى إلى منصب ولا أهرب من مسؤولية فالمنصب ليس هدفا بل هو وسيلة لتحقيق الهدف. والآن وبعد أن شرفني الشعب باختياره لي رئيسا للجمهورية وبعد أن أديت القسم الدستوري وتسلمت مهامي، أقول أنني تبوأت هذا المنصب ولكنني لم أتبوأ الموقع، أي أن المنصب تبدل لكن الموقع بقي ذاته ولم يتغير منذ خلقت، وذلك حيث أرادني الله سبحانه وتعالى أن أكون وحيثما رغب الشعب أن اقف منذ أن عرف أن هنالك شخصا احب الشعب بصدق واحبه الناس بإخلاص وكانوا أوفياء له، وفي المكان الذي أرادني والداي وأسرتي أن أكون به، وفي الموضع الذي صممت على التمسك به وصونه لأكون قويا فيه وبه ومن خلاله؛ هذا الموقع الذي لا يتبدل يوما من الأيام هو خدمة الشعب والوطن. فإذا بعد هذا الموقع الذي وضعت فيه ماذا يضيف عليه المنصب؟ كنت دائما أقول لمن ألتقيهم إن المنصب مسؤولية لكن الموقع فرض هذه المسؤولية من قبل وقد يقول قائل بأن المنصب يعطي الشرعية لكن الشرعية هي قبل كل شيء إرادة الشعب ورغباته وأهمية تصويتكم على قرار الترشيح تأتي من كونه يمثل استجابة لرغبات الشعب الذي تمثلونه بشرائحه المختلفة من هنا نستطيع أن نقول إن المسؤولية هي مصلحة الشعب والشرعية هي رغبته وإرادته والمنصب هو الإطار الذي يجمعهما وينظم علاقتهما معا وبالتالي فان ما أضافه هذا المنصب إلى موقعي هو حمل كبير فيه محبتكم وثقتكم وطموحاتكم وآمالكم سأكون قادرا على حمله بإذن الله بدعمكم ومساندتكم.
وعلى كل مواطن شريف أن يضع نفسه في موضع مماثل لما أشرت إليه وأن يحمّل نفسه المسؤولية وأن يؤمن بالشرعية حتى لو لم يكن في وضع يسمح له بتطبيق أفكاره فالمنصب لا يعطي المسؤولية بل العكس هو الصحيح هو يأخذها من الإنسان الذي يمتلكها ويسمح له فقط أن يمارسها من خلال الصلاحيات التي يمنحها له. وعندما يصل إلى المنصب شخص لا يحمل شعورا بالمسؤولية فانه لا يستطيع أن يأخذ منه سوى السلطة والسلطة دون مسؤولية هي الأساس في انتشار التسيب والفوضى وتدمير المؤسسات.
والحالة المثلى تفترض أن يكون الكل مسؤولا ولا يعني هذا أن الكل صاحب منصب فالمناصب هي مفاصل أساسية يتم فيها تنقية وتفعيل وغربلة أداء المجتمع بشكل مستمر وباتجاهين من قاعدة الهرم إلى قمته وبالعكس وبالتالي إذا اختلت وظيفة القاعدة انعكس ذلك على أداء القمة وإذا شذ من في القمة أساء إلى القاعدة وبالتالي لا ينبني المجتمع ولا يتطور ولا يزدهر بالاعتماد على شريحة أو جهة أو مجموعة بل يعتمد على تكامل عمل الكل في المجتمع الواحد ولذلك أجد من الضروري جدا أن أدعو كل مواطن لكي يشارك في مسيرة التطوير والتحديث إذا كنا فعلا صادقين وجادين في الوصول إلى النتائج المرجوة في أقرب زمن ممكن.
وبما أننا نتحدث عن التطوير الذي هو باعتقادي الهاجس الأساسي لكل مواطن في هذه البلاد وفي مختلف المجالات فلابد أن نعرف بأي اتجاه نسير وأي الطرق أفضل وما هي النتائج المطلوبة وغيرها من الأسئلة التي تشكل أجوبتها البوصلة التي تحدد موقعنا الحالي والمستقبلي وعلينا من اجل الوصول إلى ما نبتغيه أن نتحرك بالتوازي وبنفس الوقت على ثلاثة محاور أساسية..
المحور الأول - ويتضمن طرح أفكار جديدة في المجالات كافة سواء بهدف حل مشكلاتنا ومصاعبنا الراهنة أو بهدف تطوير الواقع الحالي.
المحور الثاني - يتضمن تجديد أفكار قديمة لا تناسب واقعتا مع إمكانية الاستغناء عن أفكار قديمة لا يمكن أن نجددها ولم يعد ممكنا الاستفادة منها بل أصبحت معيقة لأدائنا.
المحور الثالث - ويتضمن تطوير أفكار قديمة تم تجديدها لكي تتناسب مع الأهداف الحاضرة والمستقبلية وكل عمل بحاجة إلى قياسات لتحديد نسبة الإنجاز والتقدم فيه ومن المفيد في هذا المجال أن نستند إلى مجموعة من المعايير.
المعيار الأول - هو عامل الزمن الذي يفترض بنا أن نعمل على استغلاله بحده الأقصى بهدف تحقيق الإنجازات التي نتطلع إليها بأقصر مدة ممكنة.
المعيار الثاني - وهو طبيعة الواقع الذي نعيش فيه والظروف المختلفة التي تحيط بنا الداخلية منها والخارجية.
المعيار الثالث - وهو الإمكانيات المتوفرة بين أيدينا للانطلاق والوصول إلى الهدف المحدد آخذين بعين الاعتبار أن الإمكانيات ليست معطيات ثابتة بل هي قابلة للتعديل باستمرار من خلال جهودنا وفعاليتنا.
المعيار الرابع - وهو المصلحة العامة وفيها تلتقي كل المعايير السابقة ومن خلالها تتحدد. وهي معيار وهدف في وقت واحد. إذ ما قيمة أي عمل نقوم به لا يكون رائده المصلحة العامة؟.
ولكن للقيام بالتحرك المطلوب ونحن واثقون من بلوغ النجاح لابد من أن تتوافر لدينا مجموعة من الأدوات أهمها...
الفكر المتجدد واعني به الفكر المبدع الذي لا يتوقف عند حد معين ولا يحصر نفسه في قالب واحد جامد. وكم نحن بحاجة إليه اليوم وغدا لدفع عملية التطوير قدما إلى الأمام. والبعض يعتقد أن هذا الفكر المتجدد مرتبط بالسن أي يغلب وجوده عند الشباب وهذا غير دقيق تماما فبعض الأشخاص يدخلون سن الشباب وقد تحجرت عقولهم باكرا.. والبعض الآخر من كبار السن يفارق الحياة وعقله ما يزال يضج بالحيوية والتجدد والإبداع.
أيضا نحن بحاجة ماسة إلى النقد البناء وهو تماما بعكس النقد الهدام.. والذي نراه يغلب في أحيان كثيرة على طروحاتنا لأسباب مختلفة منها ما هو شخصي ومنها ما هو غير ذلك .ولكي نكون بنائين في نقدنا لا بد لنا أن نكون موضوعيين في تفكيرنا. والموضوعية تتطلب منا أن ننظر إلى أي موضوع من اكثر من زاوية وضمن اكثر من ظرف وبالتالي نحلله بأكثر من طريقة ونصل... من ثم.. إلى اكثر من احتمال أو على الأقل للاحتمال الأقرب إلى الصحة أو الاحتمال الأفضل. وعلينا الابتعاد عن النقد بهدف استعطاف البعض أو استثارة التصفيق من البعض الآخر... أو بهدف الاستفزاز أو الإساءة إلى الآخرين. ففي ذلك هدر للجهود ومضيعة للوقت نحن بغنى عنها وعندما نقول... /نقد بناء ورأي موضوعي/ فهذا يعني بالضرورة النظر بصورة متكاملة للقضايا موضوع النقد بحيث نرى الإيجابيات كما نرى السلبيات وبذلك نتمكن من زيادة الإيجابيات على حساب السلبيات وهذا هو جوهر أي تطوير.
ونحن نتكلم عن الأدوات فإننا لا يمكن أن نتجاوز المساءلة. فهي عملية متكاملة لا يمكن تجزئتها وتبدأ من القاعدة والأساس. ومن الوحدة الصغرى في المجتمع وهي المواطن وتنتهي بالمؤسسات. فإذا لم يقم كل مواطن بمساءلة نفسه ومراقبة ذاته ومراجعتها بشكل يومي أو شبه يومي فستبقى هذه العملية قاصرة عن تحقيق مهامها.. وهنا يأتي دور الضمير وأهمية الوجدان وضرورة تنقيتهما من الشوائب التي تعلق بهما وتعكر صفاءهما بفعل الظروف والعوامل المختلفة التي تحيط بكل فرد.
أما المستويات الأخرى في المساءلة والمحاسبة والتي تقوم بها المؤسسات المختصة فتكون للحالات التي يكون فيها شذوذ عن القوانين والأنظمة.. والتي من المفترض أن تكون محدودة في حال وجود الرقابة الذاتية وبالتالي يكون أداء المؤسسات افضل وأسلم. وهذه العملية عملية مستمرة تتوازى مع العمل أو تكون جزءا منه. لان الخطأ بأشكاله المختلفة سيبقى ملازما للحياة وإذا لم يعالج فانه يتفاقم. والعلاج لا يهدف إلى الانتقام والتشفي وإنما للردع ولا يقصد به صاحب الخطأ فقط بل كل من يخطر في باله أن يقع فيه.
بهذا الشكل نستطيع أن نضع استراتيجية عامة للتطوير تكون إطارا محددا للخطوات والإجراءات الواجب اتخاذها في سبيل تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية خاصة أن بلدنا قد مر بظروف تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة خلال القرن العشرين.. وكانت هذه الظروف تتغير بشكل متسارع ومازالت.. وقد غلب على هذه التغيرات الطابع السياسي. واستطاع القائد الأسد خلال العقود الثلاثة الأخيرة.. وضع استراتيجية عامة تلبي الحاجات المختلفة للتطوير المنشود شملت مختلف القطاعات . وقد برهنت الاستراتيجية السياسية التي وضعها واشرف على تنفيذها ومتابعتها وتطويرها عن نجاحها الكبير حتى يومنا هذا.. أما في المجالات الأخرى وكما نعرف جميعا فلم يتماش الأداء فيها مع الأداء في المجال السياسي لأسباب عديدة.. لذلك كانت هناك فجوة كبيرة بينها. ولو كان الأداء افضل فان موقفنا السياسي سيكون أقوى دون شك. وهو القوي أساسا.. لكن طموحنا يبقى للأحسن.
وكان الأداء في المجال الاقتصادي على وجه الخصوص يتموج ويتبدل بحدة نتيجة لتبدل الظروف التي كانت هي الأخرى شديدة التغير وخاصة عندما انتقل اقتصادنا من اقتصاد له أسواقه المفتوحة أمامه إلى اقتصاد مطلوب منه المنافسة. وكانت المعالجة تتم من خلال إصدار قوانين ومراسيم وقرارات تتسم أحيانا بالتجريبية وأحيانا أخرى بالارتجال وفي البعض منها كانت تأتي كرد فعل على حالة معينة. ولكن قليلا ما كانت تأتي هذه المعالجة فاعلة لا منفعلة أي أن تأخذ هي زمام المبادرة مستبقة الأحداث. والسبب في ذلك انه لم يكن هناك استراتيجيات واضحة تخرج التشريعات من ضمنها بل تكونت الاستراتيجية الاقتصادية كمحصلة لمجمل هذه التشريعات الصادرة.. وبالتالي أتت ضعيفة وفيها الكثير من الثغرات وكانت مسؤولة إلى حد ما وليس بشكل كامل.. عن الصعوبات التي نعاني منها اليوم.. فإذا نحن بحاجة الآن إلى استراتيجيات اقتصادية.. اجتماعية.. علمية وغير ذلك تخدم التنمية والصمود في آن واحد وهي ليست موجودة كوصفات جاهزة بل أنها بحاجة إلى دراسات معمقة نستخلص منها النتائج التي على أساسها نحدد إلى أين يجب أن نتجه وهذا بحاجة إلى وقت وجهد وتعاون وحوارات موسعة.
والسؤال الذي يمكن لنا طرحه هل ننتظر الانتهاء من وضع الاستراتيجيات المطلوبة كي نبدأ التطوير أو نتابع ما بدأناه من تطوير في السابق؟. يبدو لنا انه من المفضل أن يبدأ العمل بالتوازي من خلال متابعة اتخاذ الإجراءات المطلوبة إضافة إلى إعداد التصورات لتحديد خططنا المستقبلية مع علمنا أن التطوير المجتزأ لا يحقق الغايات المرجوة بل هو بحاجة للتناسق والتكامل بين الإجراءات والخطوات المتخذة في جميع المجالات.
إن كل ما سبق يحتاج إلى تحليل.. والتحليل يحتاج إلى دراسات ونتائج هي بدورها تحتاج إلى واقع تستند إليه وعندما نقول / واقعا/ نعني أرقاما دقيقة والرقم لا يمكن أن يكذب وبالتالي فهو صادق وشفاف والتعامل معه بحاجة إلى صدق وشفافية. وهذا المصطلح أي/الشفافية/ طرح بشكل كثير التواتر مؤخرا في حوارات ومقالات وفي أماكن متعددة أخرى.. فكان البعض يطالب باقتصاد شفاف.. والبعض الآخر بإعلام شفاف.. وغيرهم بذهنية شفافة في المجالات الأخرى ولاشك في أهمية ذلك. وأنا مع هذا الطرح.. لكن من خلال فهم واضح لمضمون المصطلح وللأرضية التي يمكن أن يبنى عليها فالشفافية قبل أن تكون حالة اقتصادية أو سياسية أو إدارية ..الخ.. وما إلى ذلك.. فهي حالة ثقافة وقيم وتقاليد اجتماعية وهذا يفرض سؤالا ومطلبا في الوقت نفسه يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل طرحه على الآخرين.. هل أتعامل بشفافية مع نفسي أولا ومع أسرتي ثانيا ومع محيطي القريب والبعيد والدولة والوطن ثالثا. فمن يستطيع أن يعطي جواباً بالإيجاب يعرف معنى الشفافية وهو من يستطيع أن يقدر إبعادها ويمارسها في أي موقع كان. فكيف نطلب من إنسان.. مثلا لا يصدق في حياته الشخصية ومع اقرب الناس إليه أن يكون مسؤولا صادقا تجاه مسؤوليته وتجاه الشعب وإذا كان غير واضح في طروحاته فكيف نطلب منه أن يكون شفافا عندما يتولى منصبا ما.
فإذا أردنا أن نعالج مشكلة ما فيجب أن نتناولها من بدايتها وليس من نهايتها وان نعالج السبب قبل النتائج وهذا يحتاج إلى مواجهة جريئة مع أنفسنا ومع مجتمعنا وهي مواجهة حوارية نتحدث فيها بصراحة عن نقاط ضعفنا وعن بعض العادات والتقاليد والمفاهيم التي أضحت عائقا حقيقيا في طريق أي تقدم فالمجتمع هو الطريق التي يسير عليها التطوير في حقوله العديدة. فإذا كانت هذه الطريق غير صالحة تعثر التطوير وتأخر أو توقف. وهذا بالمفهوم النسبي يعني التراجع إلى الوراء. وهذه إحدى الصعوبات الموجودة في واقعنا.. ودراسة هذا الواقع تحتاج إلى التركيز على المعوقات التي تبقيه على حاله دونما تغيير إلى الأفضل.. وهذا بحاجة إلى مشاركة فعالة من كل الجهات خارج إطار الدولة وداخله كي تساهم كل الفئات والشرائح في إيجاد الحلول. وهنا أؤكد على أن من يطرح المشكلة يجب أن يطرح معها الحل ويجب أن نبتعد قدر الإمكان عن الاتكالية. فالموظف يتكل على زميله والمسؤول الأدنى على رئيسه والمواطن يتكل على الدولة لإيجاد الحلول.. فأعود لأؤكد أن الحل هو مسؤولية الجميع كي يصبح مكتملا وناجعا فالإنسان يسير على قدمين والبعض يعتقد بأن الخطوة اليمنى تكتمل بالقدم اليمنى وبأن الخطوة اليسرى تتم بالقدم اليسرى، الواقع أن الخطوة اليمنى تبدأ بالقدم اليمنى وتتم أو تكتمل بالقدم اليسرى. والخطوة اليسرى تبدأ بالقدم اليسرى وتكتمل بالقدم اليمنى. فلا تتكلوا على الدولة ولا تدعوا الدولة تتكل عليكم بل دعونا نعمل سوية كفريق عمل واحد.
وأورد هنا مثالا من واقع حياتنا الاقتصادية.. وهو التصدير الذي يعتبر أحد أهم محاور دعم الاقتصاد الوطني. وهو سيكون موضع اهتمام خاص في المرحلة القادمة فمن واجب الدولة أن تسن التشريعات والقوانين وان تتخذ القرارات وتعقد الاتفاقيات مع دول وجهات أخرى بهدف تشجيعه والمساعدة على إيجاد الأسواق إضافة إلى تحقيق القدرة التنافسية. لكن هذا لا يمكن أن يتم ويكتمل إلا إذا كانت البضائع والسلع السورية ذات سمعة جيدة ومواصفات عالية. إضافة إلى التزام المنتجين والمصدرين بمواعيد التسليم مع قيامهم بعمليات التسويق اللازمة لبضائعهم والمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية بهدف توسيع أسواقهم مما يحقق لهم وللاقتصاد الوطني الازدهار.
وفي هذا المجال فقد بات من الضروري السير بخطى ثابتة وان كانت متدرجة نحو إجراء تغييرات اقتصادية من خلال تحديث القوانين وإزالة العقبات البيروقراطية أمام تدفق الاستثمارات الداخلية والخارجية وتعبئة رأس المال العام والخاص معا وتنشيط القطاع الخاص ومنحه فرصا افضل للعمل .كما انه لابد من تحقيق القدرة التنافسية للقطاع العام في الأسواق الخارجية مما يؤدي إلى تنمية متوازنة وشاملة في محافظات القطر كافة وفي الريف والمدينة كما يؤدي إلى توزيع الدخل القومي بصورة متوازنة وزيادة فرص العمل وتحسين الوضع المعاشي للمواطنين في ضوء زيادة احتياجاتهم الحيوية.. والتصاعد المطرد في تكاليف المعيشة. ولابد من تطوير القطاع الزراعي من خلال تحديث وسائل إنتاجه والبحث عن أسواق لتصريف منتجاته.. إضافة إلى تسريع عمليات استصلاح الأراضي.. وتلافي التقصير والإهمال الذي حدث في الماضي.. والإسراع في إنجاز السدود التي تخدم خططنا التنموية.
كما يتوجب علينا رسم سياسة اقتصادية رشيدة تردم الفجوات بين الموارد والنفقات وبين الاستيراد والتصدير وبين الإنتاج والتصريف وبين الأجور والأسعار إضافة إلى تصحيح ميزان المدفوعات مع التأكيد على أهمية إعادة تأهيل القطاع الصناعي العام والخاص لمواجهة الأخطار المتزايدة والناتجة عن تحديات العولمة وبذلك نضمن أن يتبوأ اقتصادنا موقعا مناسبا في التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
أيتها السيدات.. أيها السادة..
أن تطلعاتنا لا يمكن أن تتحقق بالشكل المطلوب إلا إذا تم التأكيد على دور المؤسسات في حياتنا. والمؤسسات ليست البناء ولا النظام الذي يحكمها فقط أو الأشخاص الذين يعملون فيها.. بل هي وقبل كل شيء.. الفكر المؤسساتي الذي يؤمن بأن كل مؤسسة تمثل كل الوطن مهما كان حجمها واختصاصها وتمثل سمعته ووجهه الحضاري.. والذي يؤمن أيضا أن العمل المؤسساتي عمل جماعي لا فردي.. عمل مبني على الصدق والإخلاص في التعامل وعلى استغلال الوقت بحده الأقصى وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية وعقلية الدولة على عقلية الزعامة.