قبل كل انتخابات تكثر التأويلات حول مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، فقبل انتخابات 2005 شكّك كثيرون في مدى خصومته مع النظام السوري واعتبروا تصعيده السياسي مجرد حملات للكسب الانتخابي، وحالياً تكثر التحليلات حول المواقف الاخيرة للنائب جنبلاط ومدى حفاظه على التحالفات داخل فريق 14 آذار خصوصاً بعد خطابه الجديد المعتدل تجاه سورية وحزب الله واستعادة علاقته القديمة بصديقه اللدود الرئيس نبيه بري.
والى حين فهم حركة النائب جنبلاط الذي يشبّهه كثيرون بالبارومتر السياسي الذي يلتقط مسبقاً التغييرات الاقليمية والدولية، فقد وصل الامر بوليد جنلاط الى حد الاعراب عن امتعاضه من بعض اطراف 14 آذار وهو فضّل في الذكرى الرابعة لانطلاقة انتفاضة الاستقلال الجلوس بعيداً عن أقطاب الاكثرية، وكأنه يرغب في إظهار نفسه على مسافة منهم وبعث رسالة الى من يعنيهم الامر بأنه مستعد لاْي انعطافة في اليوم التالي للانتخابات في 8 حزيران (يوينو).
وبعد حديث الرئيس السوري بشار الاسد الى صحيفة 'السفير' الذي أقرّ فيه بأخطاء سورية في لبنان بعد العام 1990 رأى جنبلاط 'ان اللهجة السياسية التي اعتمدها الأسد في حديثه مختلفة قياساً الى الخطاب السوري السابق'، وقال انه 'سيواصل استخدام اسلوبه الجديد في التعاطي مع الموضوع السوري'، لأن 'لا قيمة ولا منفعة للتوتير، لكنني سأحتفظ في الوقت ذاته بثوابتي، علماً أن من بين هذه الثوابت مساهمتي المتواضعة في إسقاط اتفاق 17أيار'. وإذ رأى جنبلاط ان الأسد 'أجرى نوعاً من المراجعة واعترف بأخطاء'، أكد انه 'ومن أجل مصداقيتي، لا أستطيع ان أقفز من الاقصى الى الاقصى المضاد'. وأضاف: بين موقفي السابق الداعي الى قلب النظام وبين التطبيع مع النظام، اخترت الحل الوسط المتمثل في اتفاق الطائف الذي ينظم العلاقات المميزة بين لبنان وسورية، وهذا ما بدأت معالمه تتبلور من خلال المباشرة في إقامة العلاقات الدبلوماسية، على ان يتم لاحقاً ترسيم الحدود او تحديدها'.
وتابع جنبلاط 'بغض النظر عن موقفي الشخصي، أنا أدرك ان لبنان كدولة لا يستطيع ان يكون على عداء مع سورية لأن ذلك هو ضد المنطق والتاريخ والجغرافيا، وبالتالي لا بد من إرساء العلاقات المميزة بين البلدين استنادا الى قاعدة اتفاق الطائف الذي ينص على الهدنة أو حالة الحرب المجمدة مع إسرائيل، وعدم جعل لبنان ممراً او مستقراً لأي تنظيم عدائي ضد سورية، وفي المقابل، المطلوب من دمشق عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية'.
غير أن هذا الانفتاح الجنبلاطي بدأ يثير القلق لدى حلفائه في قوى 14 آذار خصوصاً بعد إبداء زعيم المختارة عتبه على هؤلاء الحلفاء الذين لم يدافعوا عنه تجاه حملات رئيس 'تكتل التغيير والاصلاح' العماد ميشال عون، وانتقاده زحمة المرشحين في الشوف.
وبحسب اوساط جنبلاطبة فإن وليد جنبلاط يخشى أن تتحوّل هذه الترشيحات الكثيرة الى أثقال انتخابية تسقط اللائحة كما حصل مع طائرة كوتونو التي سقطت نتيجة حمولتها الزائدة قبل سنوات. لكنه رغم ذلك لم يتجاهل جنبلاط التنوع في دائرة الشوف وهو يتجه الى حسم مرشحيه المسيحيين وهم نائب القوات اللبنانية جورج عدوان ورئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون والنائب ايلي عون رغم أنه كان يفضل اختيار مرشح غير عدوان.
وفي اطار الانفتاح الجنبلاطي على المعارضة يبدو أن التطور في العلاقة الارسلانية - الجنبلاطية قد يفتح الباب امام تفاهم مع خلدة من خلال إبقاء مقعد شاغر لصالح الامير طلال مقابل تعاون الحزب الديمقراطي مع مرشح الحزب الاشتراكي في بعبدا، وربما فتح النقاش مع الرئيس بري حول المقعد الدرزي في حاصبيا الذي يشغله النائب أنور الخليل.
إلا أنه وفي مقابل هذا التقارب الجنبلاطي مع بعض اركان المعارضة وعلى رأسهم الرئيس بري والامير طلال والذي قد يُترجم على الارض بتفاهمات انتخابية في بعض الدوائر، فقد واصل العماد عون حملته على جنبلاط وكأنه يريد قطع الطريق على أي تفاهمات محتملة